فصل: البلاد الشامية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وأما

 البلاد الشامية

فإنه لما بلغ أعيان الأمراء بها عود الملك الناصر فرج إلى ملكه وتولية شيخ ثانيًا نيابة دمشق عوضًا عن نوروز فرحوا بذلك فرحًا عظيمًا ودقت البشائر لذلك أيامًا وخرج نوروز الحافظي وعلان جلق من حماة وتوجها إلى حلب بمن معهما‏.‏

وكان الأمير دمرداش المحمدي قد فر منها وتوجه إلى بلاد التركمان فمضيا إليه ثم فارقاه وعادا إلى جهة أخرى حسبما يأتي ذكره وأقام بحلب الأمير دقماق المحمدي فلما قدم جكم إلى حلب امتنع دقماق بحلب وقاتله وانكسر وأخذ دقماق وقتل بين يدي جكم صبرًا على ما يأتي ذكره في محله‏.‏

وأما السلطان الملك الناصر فرج فإنه لما كان يوم الخميس رابع شهر رجب قبض على الأمير أربك الرمضاني وقيده وبعثه إلى الإسكندرية فسجن ثم ورد عليه الخبر بأن الأمير جكم سار إلى حلب ومعه الأمير شيخ نائب الشام ونوروز بحلب فلما وصلا إلى المعرة كتب إليهما نوروز يعتذر بأنه لم يعلم بولاية الأمير جكم لحلب وخرج بمن معه منها إلى البرية فدخل جكم حلب من قتال وعاد شيخ إلى الشام فلما بلغ السلطان ذلك كتب إلى الأمير جكم بنيابة طرابلس مضافًا على ما بيده من نيابة حلب بمثال سلطاني من غير تقليد وتوجه بالمثال الأمير مغلباي وكتب إلى نوروز بالحضور إلى القدس بطالًا كما كتب له أولًا وكتب إلى الأمير بكتمر جلق نائب طرابلس بأن يكون أميرًا كبيرًا بدمشق‏.‏

وأما جكم فإنه لما استقر بحلب ما زال يكاتب نوروزًا وعلان جلق‏.‏

حتى قدما عليه فأكرمهما وصارا من جملة أصحابه ثم وقع له مع شيخ وغيره أمور نذكرها في محلها‏.‏

وفي يوم الاثنين أول شعبان استدعى السلطان الملك الناصر أبا الفضل العباس ولد الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد وبايعه بالخلافة بعد موت أبيه المذكور ولبس العباس التشريف ولقب بالمستعين بالله ونزل إلى داره‏.‏

وكانت وفاة المتوكل على الله في سابع عشرين شهر رجب‏.‏

ثم كتب السلطان باستقرار الأمير طولو من علي باشاه في نيابة صفد عوضًا عن بكتمر الركني المعروف بكتمر باطيا وجهز تشريف طولو على يد الأمير آقبردي رأس نوية‏.‏

وكتب باستقرار الأمير دمرداش المحمدي في نيابة حماة‏.‏

ثم ورد الخبر بوصول الأمير علان جلق إلى دمشق مفارقًا لجكم نائب حلب‏.‏

ومات سعد الدين إبراهيم بن غراب في يوم الخميس تاسع عشر شهر رمضان كما سيأتي ذكره في الوفيات‏.‏

ثم أمسك السلطان الأمير إينال الأشقر وأرسله إلى سجن الإسكندرية لأمر بلغه عنه ثم في أواخر شهر رمضان قبض على الأمير سودون المارداني من بيت بالقاهرة فقيد وحمل إلى سجن الإسكندرية‏.‏

ثم كتب السلطان أمانًا لكل من جمق وأسنباي وأرغز وسودون اليوسفي وبرسباي الدقماقي أعني الملك الأشرف وجهزه إليهم بالشام‏.‏

ثم قبض السلطان على الوزير فخر الدين ماجد بن غراب في سابع في القعدة وسلمه إلى جمال ثم كتب السلطان إلى الأمير نوروز الحافظي وهو عند جكم بحلب أنه قد قدمت مكاتبة السلطان له أنه يتوجه إلى القدس بطالًا وأنه أيضًا ساعة وصول هذا المرسوم إليه يحضر إلى الديار المصرية فلم يلتفت جكم إلى مرسوم السلطان ونهر القاصد وخشن له في الكلام‏.‏

ثم في سابع من ذي الحجة خلع السلطان على القاضي فتح الدين فتح الله بإعادته إلى وظيفة كتابة السر بعد عزل فخر الدين بن المزوق عنها ثم أفرج السلطان عن فخر الدين بن غراب وخلع عليه واستقر وزيرًا ومشيرًا وناظر الخاص وعلى عادته أولًا بعد أن حمل عشرين ألف دينار‏.‏

وكان في هذه السنة أعني سنة ثمان أو ثمانمائة الطاعون العظيم بصعيد مصر حتى شمل الخراب غالب بلاد الصعيد‏.‏

ثم بلغ السلطان أن جكم من عوض نائب حلب قد عظم أمره وأنه قد بدا منه أمور تدل على المخالفة فكتب السلطان بعزله عن نيابة حلب وطرابلس وولاية الأمير دمرداش نيابة حلب عوضه وتولية الأمير علان اليحياوي أجلق نيابة طرابلس عوضه وتولية الأمير عمر الهيدباني نيابة حماة وتوجه بتقاليدهم ألطنبغا شقل مملوك الأمير شيخ المحمودي نائب الشام ولم يرسل السلطان إليهم أحدًا من أمراء مصر لضعف حالهم وعدم موجودهم وقبل أن يصل إليهم الخبر خامس من ذي الحجة قتالًا عظيمًا قتل فيه الأمير علان اليحياوي جلق والأمير طولو من علي باشاه نائب صفد وجماعة كبيرة في الواقعة‏.‏

وأما علان وطولو فإنه قبض عليهما فقدما بين يدي الأمير جكم فأمر بضرب رقابهما فضربت أعناقهما بين يديه وضرب عنق طواشي كان في خدمة الأمير شيخ معهما‏.‏

قلت‏:‏ وهذا ثالث أمير قتله الأمير جكم من أعيان الملوك من خشداشيته في هذه السنة - أعني‏:‏ دقماق المحمدي نائب حلب وعلان هذا نائب حلب أيضًا وطولو نائب صفد انتهى‏.‏

وانهزم الأمير شيخ المحمودي نائب الشام ومعه الأمير دمرداش نائب حلب إلى دمشق فلم يقدر شيخ على الإقامة بدمشق خوفًا من نوروز الحافظي وخرج من دمشق ومضى إلى الرملة يريد القدوم إلى القاهرة ودخل نوروز إلى دمشق وملك المدينة من جهة جكم بعساكره في يوم الاثنين سابع عشرين في الحجة المذكورة ثم دخل جكم دمشق بعده في يوم الخميس سلخ ذي الحجة وناس جكم في دمشق بالأمان وأنه لا يشوش أحد على أحد وكان جكم قد شنق رجلًا من عسكره بحلب كونه رعى فرسه زرعًا وشنق آخر على شيء وقع منه في حق بعض الرعية ثم لما قدم دمشق شنق بها أيضًا جنديًا بعد المناداة على شيء من ذلك فخافته عساكره وانكفوا عن مظالم الناس وعن شرب الخمر حتى لهجت الناس بقولهم‏:‏ جكم حكم وما ولما بلغ خبر هذه الواقعة المصريين خارت قواهم وتخوفوا من جكم وخرج البريد من يومه يطلب الأمير تغري بردي أعني الوالد من برية القدس فحضر إلى القاهرة وجلس رأس الميسرة بعد أن بنى السلطان على ابنته كريمة مؤلف هذا الكتاب‏.‏

ثم جهز السلطان تشريفًا للأمير شيخ في حادي عشر المحرم من سنة تسع وثمانمائة بنيابة الشام على عادته وأمده بمال وسلاح وقبل خروج القاصد إليه قدم الخبر بوصول شيخ المذكور إلى مدينة بلبيس فخرج إليه المطبخ السلطاني وتلقته الأمراء‏.‏

ثم قبض السلطان على الأمير كزل العجمي حاجب الحجاب وكان أمير حاج المحمل لما فعله مع الحجاج في هذه السنة فإنه أخذ من الحاج على كل جمل دينارًا وباعهم الماء الذي يردونه فصادره السلطان وأخذ منه نحو المائتي ألف درهم ففر في سلخه فأخذ له حاصل كبير أيضًا‏.‏

وأما جكم فإنه أقام بدمشق مدة وقرر أمورها وجعل على نيابتها الأمير نوروزًا الحافظي وكان الأمير سودون تلي المحمدي الأمير آخور كان في سجن الأمير شيخ ففر منه ولحق بالأمير نوروز الحافظي‏.‏

ثم ورد الخبر من قضاة حماة أنه سمع طائر يقول‏:‏ ‏"‏ اللهم انصر جكم ‏"‏ وهذا من غريب الاتفاق‏.‏

هذا والناس في جهد وبلاء من غلو الأسعار بالديار المصرية لا سيما لحم الضأن والبقر وغيره فإنه عز وجوده البتة‏.‏

ثم خرج الأمير الكبير يشبك الشعباني وغالب الأمراء إلى ملاقاة شيخ ودمرداش ومعهما خير بك نائب غزة وألطنبغا العثماني حاجب حجاب دمشق ويونس الحافظي نائب حماة - كان - وسودون الظريف نائب الكرك - كان - وتنكزبغا الحططي في آخرين وطلع الجميع إلى القلعة وقبلوا الأرض بين يدي السلطان فأكرمهم السلطان غاية الإكرام ثم نزلوا إلى القاهرة وعقيب ذلك ورد الخبر بأخذ عسكر جكم مدينة صفد والكرك والصبيبة وغيرها‏.‏

ثم في سادس صفر من سنة تسع وثمانمائة المذكورة خلع السلطان على الأمير شيخ المحمودي بنيابة الشام على عادته وعلى الأمير دمرداش بنيابة حلب على عادته وأخذ السلطان في تجهيز أمر السفر إلى البلاد الشامية‏.‏

ثم في حادي عشرين صفر من سنة تسع المذكورة حمل السلطان الملك الناصر أخاه الملك المنصور عبد العزيز وأخاه إبراهيم - ابني الملك الظاهر برقوق - إلى سجن الإسكندرية صحبة الأمير قطلوبغا الكركي والأمير إينال حطب العلائي ورسم لهما أن يقيما بإسكندرية عندهما وقد تقدم ذكر ذلك في أواخر ترجمة الملك المنصور عبد العزيز‏.‏

ثم أنعم السلطان على الأمير شيخ بأشياء كثيرة فتجهز شيخ المذكور وخرج من الديار المصرية في يوم الإثنين أول شهر ربيع الأول وخلع السلطان على الأمير دمرداش المحمدي نائب حلب أيضًا خلعة السفر وخرج صحبة الأمير شيخ وتوجها بجماعتهما ونزلا بالريدانية ثم لحق بهما الأمير سودون الحمزاوي الدوادار الكبير والأمير سودون الطيار أمير سلاح بطلبهما ومماليكهما وهؤلاء كالجاليش‏.‏

وأقام الجميع بالريدانية إلى أن رحلوا منها وبعد رحيلهم نزل السلطان بعساكره وأمرائه من قلعة الجبل ونزل بمخيمه من الريدانية خارج القاهرة في ثامن شهر ربيع الأولى المذكور من سنة تسع وثمانمائة‏.‏

وهذه تجريدة الملك الناصر الثالثة إلى البلاد الشامية فإن الأولى كانت في سنة اثنتين لقتال تنم والثانية في سنة ثلاث لقتال تيمورلنك وهذه الثالثة‏.‏

وأقام السلطان بالريدانية إلى يوم ثاني عشر شهر ربيع الأول فرحل منها بعساكره إلى جهة الشام بعد أن خلع على الأمير تمراز الناصري نائب السلطنة الشريفة بالديار المصرية باستقراره أيضًا في نيابة الغيبة بالقاهرة وأنزل السلطان بقلعة الجبل جماعة أخرى من الأمراء ممن يثق بهم وكذلك بالقاهرة‏.‏

قال المقريزي - رحمه الله‏:‏ ولم يحمد رحيل السلطان الملك الناصر من الريدانية في يوم الجمعة فقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه قال‏:‏ ‏"‏ ما سافر أحد يوم الجمعة إلا رأى ما وسار السلطان بعساكره حتى دخل دمشق في يوم الإثنين سابع شهر ربيع الآخر من السنة بتجمل عظيم ونزل بدار السعادة بعد أن زينت له دمشق فأقام بدمشق إلى يوم سابع عشره فرحل من دمشق بعساكره يريد حلب وسار حتى دخل حلب في يوم سادس عشرينه وقد فر منها جكم وعدى الفرات خوفًا من الملك الناصر فرج ومعه الأمير نوروز الحافظي وتمربغا المشطوب في جماعة أخر‏.‏

فنزل السلطان بالقلعة من حلب وبعث بجماعة في طلب جكم ورفقته فتوجهوا في أثره ثم عادوا بعد أيام بغير طائل‏.‏

وخرج السلطان من حلب عائدًا إلى الديار المصرية يريد الشام في أول جمادى الآخرة بعد ما ولى الأمير جركس القاسمي المصارع الأمير آخور الكبير نيابة حلب عوضًا عن جكم من عوض وولى الأمير سودون بقجة نيابة طرابلس‏.‏

وجد السلطان في سيره بعد خروجه من حلب حتى قدم دمشق في خامس جمادى الآخرة‏.‏

وبعد خروج السلطان من حلب بيوم ثارت طائفة من المماليك ومعهم عامة حلب على جركس المصارع ثم قدم الأمير نوروز الحافظي إلى نحو حلب ففر منها جركس المصارع يريد دمشق ونوروز في أثره فعثر نوروز بخام الملك الناصر - وكان تخلف عن السلطان لسرعة سير السلطان - فقطعه نوروز ووقع النهب فيه ولحق الأمير جركس السلطان ودخل معه دمشق فنزل السلطان في‏.‏

دار السعادة ونادى بالإقامة في دمشق شهرين‏.‏

وكان الأتابك يشبك الشعباني قدم دمشق وهو متمرض في أمسه ومعه الأمير دمرداش المحمدي وبشباي رأس نوبة النوب وورد الخبر على السلطان بنزول نوروز على حماة وبقدوم جكم إلى حلب‏.‏

فلما بلغ السلطان ذلك خرج من دمشق في يوم الأحد سادس عشر جمادى بعد ما أمر العسكر أن من كان فرسه عاجزًا فليتوجه إلى القاهرة وألا يتبع السلطان إلا من كان قويًا‏.‏

فتسارع أكثر العسكر إلى العود لجهة الديار المصرية ولم يتبع السلطان من عسكره إلا القليل‏.‏

وسار الملك الناصر حتى وصل إلى منزلة قارا ثم عاد مجدا فدخل دمشق وقد تمزق عسكره‏.‏

وتأخر جماعة من الأمراء مع شيخ نائب الشام ثم قدموا دمشق‏.‏

ثم خرج الأمير شيخ في ثالث عشرينه من دمشق ومعه دمرداش المحمدي وألطنبغا العثماني في عدة من الأمراء إلى جهة صفد وسار السلطان ويشبك ومعهما جميع الأمراء إلى جهة مصر فدخل السلطان إلى القدس وقد تخفف الأمير سودون الحمزاوي الدوادار الكبير بدمشق ومعه عدة من الأمراء مغاضبين للسلطان لأمر اقتضى ذلك‏.‏

ثم خرج الحمزاوي من دمشق يريد صفد وأخذ كثيرًا من الأثقال السلطانية واستولى على صفد‏.‏

وأما نوروز فإنه جهز عسكرًا عليهم الأمير سودون تلي المحمدي وأزبك الدوادار في آخرين فساروا إلى جهة الرملة‏.‏

ثم قدم على الأمير نوروز الحافظي إينال باي بن قجماس والأمير يشبك بن أزدمر - وكانا مختفيين بالقاهرة من خروج الملك الناصر فرج وعوده إلى ملكه واختفيا حتى خرجا صحبة السلطان إلى البلاد الشامية فلما عاد السلطان إلى نحو الديار المصرية توجها إلى نوروز بدمشق وتوجه معهما الأمير سودون المحمدي لضعف أصابه - فأكرمهما الأمير نوروز غاية الإكرام وأنعم عليهما بأشياء كثيرة وكتب للأمير جكم بقدومهما‏.‏

وأما السلطان الملك الناصر فإنه سار من القدس حتى دخل إلى القاهرة في حادي عشر شهر رجب بغير طائل وقد تلف له ولعساكره مال كبير وزينت القاهرة لقدومه وخرج أعيان المصريين لتلقيه‏.‏

ثم بعد قدومه بسبعة أيام وصل دمرداش نائب حلب وسودون من زادة نائب غزة إلى القاهرة واستمر سودون الحمزاوي وشيخ نائب الشام بصفد وأخذ سودون الحمزاوي يسعى في الصلح بين شيخ ونوروز ولازال في ذلك حتى أجاب نوروز وكتب في هذا المعنى إلى جكم‏.‏

فبينما هم في ذلك خرج سودون الحمزاوي يومًا من صفد ليسير في برها فقام شيخ وركب واستولى على قلعة صفد وأخذ جميع مال الحمزاوي وبلغ ذلك الحمزاوي فهرب ونجا بنفسه في قليل من أصحابه وتوجه إلى دمشق فرحب به نوروز غير أن نوروزًا كان مشغولًا بعمارة قلعة دمشق فلم ينهض بالخروج معه لقتال شيخ‏.‏

وأما الملك الناصر فإنه في يوم الجمعة رابع شعبان مسك الوزير فخر الدين ماجد بن غراب وسلمه لجمال الدين الأستادار ليصادره ويعاقبه وفي سابعه استقر جمال الدين في وظيفتي الوزير وناظر الخاص مضافًا إلى الأستادارية وهذا أول ابتداء تحكم جمال الدين في الناس‏.‏

ثم قبض على الأمير خير بك نائب غزة وقدم به إلى القاهرة مقيدًا‏.‏

ثم عين السلطان جماعة من الأمراء للتجريدة بالبلاد الشامية ومقدمهم الأمير تمراز الناصري النائب وآقباي وغيرهما‏.‏

وخرجوا من القاهرة في عاشر شهر رمضان فورد الخبر بأن عسكرًا من الشام أخذ غزة وأن يشبك بن أزدمر أخذ قطيا وأخربها وعاد إلى غزة‏.‏

فأقام تمراز بمن معه على مدينة بلبيس أيامًا ثم عاد هو وآقباي بمن معهما إلى القاهرة في سابع شوال‏.‏

ثم قدم الخبر على الملك الناصر بأن الأمير جكم من عوض نائب حلب تسلطن بقلعة حلب في يوم حادي عشر شوال من سنة تسع وثمانمائة المذكورة وتلقب بالملك العادل أبي الفتح عبد الله جكم وخطب باسمه من الفرات إلى غزة عدا صفد فإن بها الأمير شيخًا المحمدي وقد استولى عليها من الحمزاوي حسبما تقدم ذكره وأنه لم يخطب باسم جكم وأنه مستمر على طاعة السلطان وأن الأمير نوروزًا نائب الشام باس الأرض لجكم وخلع على جلق بنيابة صفد بأمر الملك العادل جكم‏.‏

ثم قدم بعد ذلك عدة كتب من أمراء الشام على السلطان يرغبون السلطان في الخروج إلى البلاد الشامية‏.‏

ثم قدمت‏.‏

عدة كتب من جكم إلى عربان مصر وفلاحيها بمنعهم من دفع إلى السلطان أمرائه وأجناده وتحذيرهم من ذلك حتى يقدم جكم إلى مصر‏.‏

ثم ورد البلاد الشامية أنه في ثامن عشر شوال وصل إلى دمشق قاصد الملك العادل جكم وعلى يده مرسوم جكم بأن الأمير سودون الحمزاوي يكون دوادارًا بالديار المصرية على عادته وأن الأمير إينال باي بن قجماس يكون أمير آخور كبيرًا على عادته وأن الأمير يشبك بن أزدمر يكون رأس نوبة النوب على عادته وأن الأمير نوروزًا مستمر على نيابة دمشق وجيء له بالخلعة فلبسها نوروز وقبل الأرض ودقت البشائر لذلك - بدمشق - أيامًا وزينت المدينة‏.‏

فلما بلغ السلطان ذلك أراد الخروج إلى البلاد الشامية فكلمه أمراؤه في تأخير السفر حتى يخف الطاعون من الديار المصرية فإنه كان فشا بها وكثر فلم يلتفت السلطان لذلك‏.‏

وشرع في أول ذي الحجة في الاهتمام إلى سفر الشام هو وعساكره‏.‏

ثم في خامس عشرين ذي الحجة المذكورة علق السلطان جاليش السفر وصرفت النفقة للمماليك السلطانية في تاسع عشرينه لكل مملوك ثلاثون مثقالًا وألف درهم فلوسًا فتجمع المماليك تحت الطلبلخاناه السلطانية وامتنعوا من أخذها فكلمهم بعض الأمراء على لسان السلطان في ذلك فرضوا‏.‏

وبينما السلطان في ذلك ورد عليه الخبر بقتل الأمير جكم بآمد من ديار بكر بن وائل في سابع عشر ذي القعدة من سنة وسبب قتلة جكم المذكور أنه لما تسلطن بمدينة حلب ووافقه وأطاعه غالب نواب البلاد الشامية وعظم أمره وكثرت عساكره وخافه كل أحد حتى أهل مصر وتهيأ الملك الناصر إلى الخروج من مصر لقتاله ابتدأ جكم بالبلاد الشامية واستعد لأخذها على أن الديار المصرية صارت في قبضته وأعرض عنها حتى ينتهي من بلاد الشرق وجعل تلك الناحية هي الأهم‏.‏

وخرج من مدينة حلب بعساكره إلى نحو الأمير عثمان بن طر علي المعروف بقرايلك صاحب آمد وغيرها من ديار بكر‏.‏

وكان قرايلك المذكور يومئذ نازلًا بآمد فسار جكم حتى نزل على البيرة وحصرها وأخذها وقتل نائبها الأمير كزل فأتته بها رسل قرايلك رغب إليه في الطاعة ويسأله الرجوع عنه إلى حلب وأنه يحمل إليه من الجمال الأغنام عدةً كبيرة ويخطب له بديار بكر فلم يقبل جكم ذلك وسار حتى نزل قرب ماردين فأقام هناك أيامًا حتى قدم الملك الظاهر مجد الدين عيسى الأرتقي ساحب ماردين ومعه حاجبه فياض بعساكره فاستصحبه جكم معه إلى نحو مدينة آمد وقد تهيأ قرايلك لقتال جكم المذكور فعبأ جكم عساكره ومشى على آمد فالتقاه قرايلك بظاهرها وتقاتلا قتالًا شديدًا قاتل فيه جكم بنفسه وقتل بيده إبراهيم بن قرايلك ثم حمل على قرايلك بنفسه فانهزم قرايلك بمن معه إلى مدينة آمد وامتنعوا بها وغلقوا أبوابها‏.‏

فاقتحم جكم في طائفة من عسكره القرايلكية وساق خلفهم حتى صار في وسط بساتين آمد‏.‏

وكان قرايلك قد أرسل المياه على أراضي آمد حتى صارت ربوًا يدخل فيها الفارس بفرسه فلا يقدر على خلاص‏.‏

فلما وصل جكم إلى ذلك الموضع المذكور أخذه الرجم هو ومن معه من كل جهة وقد انحصروا من الماء الذي فاض على الأرض وجعلها ربوًا فصاروا لا يمكنهم فيه الكر والفر‏.‏

فصوب عند ذلك بعض التراكمين من القرايلكية على جكم وهو لا يعرفه ورماه بحجر في مقلاع أصاب جبهته وشجه وسال الدم على ذقنه ووجهه وجكم يتجلد ويمسح الدم عن وجهه فلم يتمالك نفسه وسقط عن فرسه مغشيًا عليه‏.‏

وتكاثر التركمان على رفقته فهزموهم بعد أن قتلوا منهم عدة كبيرة فنزل بعض التراكمين وقطع رأس جكم‏.‏

وجال العسكر واضطرب أمر جيش جكم ساعة ثم انكسروا لفقد جكم‏.‏

وقد عاينت أنا موضع قتل جكم بظاهر مدينة آمد لما نزل السلطان الملك الأشرف برسباي عليها في سنة ست وثلاثين وثمانمائة - عرفني ذلك الأمير السيفي صربغا أمير آخور الوالد فإنه كان يوم ذاك صحبة جكم في الواقعة المذكورة - انتهى‏.‏

ثم أخذ التركمان في الأسر والقتل والنهب في عساكر جكم وعساكر ماردين حتى إنه لم ينج منهم إلا القليل‏.‏

فلما ذهب القوم نزل قرايلك وتطلب جكم بين القتلى حتى ظفر به فقطع رأسه وبعث به إلى السلطان الملك الناصر إلى الديار المصرية‏.‏

وقتل في هذه الواقعة مع الأمير جكم من الأعيان‏:‏ الملك الظاهر عيسى صاحب ماردين وكان من أجل الملوك والأمير ناصر الدين محمد بن شهري حاجب حجاب حلب والأمير قمول نائب عين تاب وصارو سيدي‏.‏

وفر الأمير تمربغا المشطوب وكمشبغا العيساوي حتى لحقا بحلب في عدة يسيرة من المماليك‏.‏

وكانت هذه الواقعة في سابع عشر ذي القعدة من سنة تسع وثمانمائة - انتهى أمر جكم وقتلته‏.‏

وأما أمر الأمير شيخ المحمودي نائب الشام - كان - فإنه في ذي القعدة أيضًا ركب من صفد يريد الأمراء الذين من جهة نوروز وجكم - وقد وصلوا من دمشق إلى غزة - وهم‏:‏ إينال باي بن قجماس وسودون الحمزاوي ويشبك ابن أزدمر ويونس الحافظي نائب حماة - كان - وسودون قرناص في آخرين‏.‏

فسار شيخ بمن معه وطرقهم بغزة على حين غفلة في يوم الخميس رابع ذي الحجة فركبوا وقاتلوه قتالًا شديدًا قتل فيه إينال باي بن قجماس ويونس الحافظي وسودون قرناص‏.‏

وقبض شيخ على سودون الحمزاوي بعد ما قلعت عينه وهرب يَشْبُك بن أَزدَمُر إلى دمشق‏.‏

وقبضَ شيخٌ على عدة مماليك منَ السّلطانية فوسط منهم تسعة وغرق أحدَ عشر وأفرجَ عنْ مماليك ولم يتعرض لهم بسوء وبعث بطائفةٍ أخرى من المماليك السّلطانية إلى الملك الناصر فرج ثم عاد شيخ إلى صَفَد‏.‏

ثم ورد الخبر بأن الأمير نَوْروزأ نائب الشام عاد إلى طاعةِ السّلطان بعد قتل جكم وأن تَمُرْبُغَا المشطوبَ تغلب على حَلَب وقاتلته التراكمين حتى ملك قلعة حلب بعد أمور وأنه أخذ ما كان لجكَم بحَلَب واستخدم مماليك جَكَم فعظُم أمره لذلك فأمر السلطانُ بتجهيز أموره للسفر إلى البلاد الشامية وتجهزت فلما كان يومُ الاثنين سادس المحرم من سنة عشرة وثمانمائة فرَّقَ السلطان الجمالَ على المماليك السلطانية برسْم السفَر إلى الشام صُحبة السلطان ثم في يوم الجمعة عاشِر المحرم قَدِم إلى القَاهِرة حاجبُ الأمير نُعَيْر برأس الأميرجكم ورأس ابن شهْري فخلع السلطانُ عليه وطيفَ بالرأسين على رمحين ونوديَ عليهما بالقاهرة ثم عُلًقاَ على باب زُويلة ودُقت البشائر وزُينتَ لذلك‏.‏

في تاسع عشَر المحرم خرَجت مُدورَة السلطانِ إلى الرّيْدَانيةِ خارج القاهرة في يوم حادي عشرينه برز الجاليش السلطاني من الأمراء إلى الريدانية وهم الأتابك يَشْبُك والوالدُ وهو تَغْرِي بَرْدي البَشْبُغَاويّ والأميرُ بَيْغُوت في آخرين من الأمراء‏.‏

ورحلوا في خامس عشرينه من الريدانية‏.‏

ونزل السلطانُ مِنْ قَلْعة الجبل يوم الإثنين ثامن عشْرينه إِلى الريْدَانِيةِ ببقية أمرائه وعساكره‏.‏

وهذه تجريدة الملك الناصر الرابعةُ إلى البلاد الشامية غير واقعة السعيدية‏.‏

ثم رحل السلطانُ مِنَ الريْدَانية في يوم ثاني صفر مِنْ سنةِ عشَرة وثمانمائة يريد البلادَ الشَامية‏.‏

وأما البلاد الشامية - فإن نَوْروزًا الحافظي خرج منْ دمشق في أول محرم مِنْ هذه السنةِ لقتال شيخ فضعف شيخ عن مقاومته ولم يخرُج مِن صَفَد‏.‏

وأَرسَل شيخ يستحث السلطانَ على سُرعة المجيء إلى البلاد الشامية‏.‏

فعاد نَوْرُوز إلى دمشق بعد أن حاصر شيخًا أيامًا وأَرسل إلى السلطان يطلب أمانًا وأنه يمتثِل ما يرسمُ به السلطان وأنه يوافقُ شيخًا ويرضَى بما يوليه السلطانُ مِنَ البلاد‏.‏

ثم أرسل نَوْرُوز إلى شيخ بأَنْ يكاتبَ السلطان بأن يكونَ نائبَ حَلَب ويكون شيخٌ نائب الشام على عادته فلم يَلتفت شيخ إلى كلامه وانتهَز شيخ الفرصة وقد قويَ أمرُه بعد ما كان خائفًا من نَوْروصز لقدوم السلطان الملك الناصر إلى البلاد الشاميّة وسارَ بمماليكه وحواشيه حتى نزل بالقرب مِنْ دمشق‏.‏

ففر في تلك الليلةِ مِنْ نَوْروز إلى شيخ جماعة مِنَ الأمراء منهم‏:‏ قِمْشُ وجُمَق‏.‏

ثم تحول نَوْرُوز من المِزة إلى قبئة يَلْبُغاَ فوصل إليه قاصدُ الأمير شيخ بأنّ السلطان أرسَل إليه تشريفًا بنيابة دمشق وأنه طلب مِن السلْطان لنوْرُوز نيابة حَلَب فأبى السَلطانُ ذلك وأن عسكر السلْطان وصل إلى مدينة غزة‏.‏

فتحول عند ذلك نَوْرُوز إلى بَرْزة ودخلت مماليك الأمير شيخ إلى الشام مِنْ غير قتال‏.‏

وأما السلطانُ الملك الناصر فإنه لما رحل مِن الريدَانيّة بعد أنْ عمل الأميرَ تمراز نائب السلطنة نائب غيبته بديار مصر وأنزله بباب السلسلة وأنزل الأمير آقْباَي بقلعة الجبل وسكن سودُونَ الطيار أمير سِلاح بالرمَيْلة تجاه باب السلسلة‏.‏

وسارَ السلطان حتى وصل إلى غزة في ثاني عشر صفر فورد عليه الخبر بفرار نَوْرُوز فلم يلتفت إلى ذلك وسار حتى دخَل إلى دمشق في يوم ثاني عشرين صفر بعدما خرجَ الأمير شيخ إلى لقائه وقبل الأرض بين يديه وسار معه حتى دخل دمشق في خدمته منْ جُملة الأمرَاء‏.‏

ونزَل السلطان بدار السعادة منْ دمشق وصلَى الجمعةَ بجامع بني أمية‏.‏

ثم قبض على قضاةِ دِمشقَ ووزيرها وكاتب سرها وأهانهم السلطانُ وألزمهم بحمل مال كبير‏.‏

ثم في يوم الأحد خامس عشرين صفر أمسك السلطان الأمير شيخًا المحمودي نائب دمشق والأمير الكبير يشبك الشعباني الأتابكي واعتقلهما بقلعة دمشق وكان الأمير جركس القاسمي المصارع الأمير آخور قد تأخر في هذا اليوم عن الخدمة السلطانية بداره فلما بلغه الخبر فر من وقته فلم يدرك‏.‏

وهرب جماعة كبيرة من الشيخية واليشبكية‏.‏

ثم في سادس عشرين صفر خلع السلطان على الأمير بيغوت باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن شيخ المحمودي بحكم حبسه بقلعة دمشق وخلع على الأمير فارس دوادار تنم باستقراره حاجب حجاب دمشق وخلع على الأمير عمر الهيدباني بنيابة حماة وعلى صدر الدين علي بن الأدمي باستقراره قاضي قضاة الحنفية بدمشق‏.‏

ودام يشبك وشيخ بقلعة دمشق إلى أن استمالا نائب قلعتها الأمير منطوقًا حتى أفرج عنهما في ليلة الاثنين ثالث شهر ربيع الأول من سنة عشرة وثمانمائة‏.‏

وهو أن منطوقًا تحيل على من عنده من المماليك بأن السلطان رسم له بأن ينقل الأميرين شيخًا ويشبك من حبس إلى آخر فصدقوه فأخرجهما على أنه وفر بهما ونزل من القلعة فلم يبلغ السلطان الخبر حتى ذهبوا حيث شاؤوا‏.‏

وأصبح السلطان يوم الإثنين ندب الأمير بيغوت لطلبهم فركب بيغوت من وقته بمماليكه وسار في طلبهم - غارةً - وقد اختفى الأمير شيخ بدمشق ولم يخرج منها وتوجه يشبك فلم يدرك بيغوت سوى منطوق نائب قلعة دمشق الذي أطلقهما -‏.‏

لثقل جثته فإنه كان في غاية من السمن‏.‏

ففز يشبك وقاتل منطوق بيغوت ساعةً ثم انهزم وقبض عليه بيغوت وقطع رأسه وحملها إلى الملك الناصر ورفعت على رمح وطيف بها دمشق ثم علقت على سور دمشق‏.‏

ثم قدم الخبر باجتماع الأتابك يشبك وشيخ وجركس وأنهم في دون الألف فارس وهم على حمص وأنهم اشتدوا على الناس في طلب المال‏.‏

فكتب السلطان في الحال للأمير نوروز الحافظي وهو بمدينة حلب عند تمربغا المشطوب يستدعيه لمحاربة يشبك وشيخ وأنه ولاه نيابة الشام وأمره أن يحمل إليه جماعة من الأمراء ويبعث السلطان إليه التقليد والتشريف مع الأمير سلامش‏.‏

ثم جهز السلطان سلامش إلى نوروز وعلى يده خلعته بنيابة دمشق فلبس نوروز الخلعة وقبل الأرض وامتثل ما أمره السلطان به من قتال الأمراء وغيره وكتب يعتذر من عدم الحضور بما عنده من الحياء من السلطان والخوف لما وقع منه قبل تاريخه وأنه إذا سار السلطان من دمشق نحو الديار المصرية قدمها وكفاه أمر هؤلاء‏.‏

ثم أرسل نوروز بعد ذلك بأنه قبض على جماعة من الأمراء الذين فروا من السلطان من دمشق وهم‏:‏ الأمير علان والأمير جانم من حسن شاه والأمير إينال الجلالي المنقار والأمير جقمق العلائي أخو جركس المصارع - أعني الملك الظاهر جقمق - والأمير أسنباي التركماني أحد أمراء الألوف بدمشق والأمير أسنباي أمير آخور والأمير جمق نائب الكرك - كان - وبعث بهم الجميع ما خلا جانم‏.‏

ثم في تاسع ربيع الأول أرسل السلطان إلى الديار المصرية بالقبض على الأمير تمراز الناصر في نائب السلطنة بالديار المصرية ثم نائب الغيبة فأذعن تمراز وسلم نفسه فمسك وقيد وحبس بالبرج من قلعة الجبل وسكن سودون الطيار عوضه بباب السلسلة من الإسطبل السلطاني‏.‏

ثم ركب السلطان الملك الناصر في يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر من دار سعادة دمشق وتوجه إلى الربوة فتنزه بها ثم عاد إلى دار السعادة‏.‏

ثم أصبح لعب الكرة بالميدان وقدم عليه الأمير بكتمر جلق بالأمراء الذين قبض عليهم الأمير نوروز وهم المقدم ذكرهم فرسم السلطان بحبسهم‏.‏

ثم في اليوم المذكور خرج حريم السلطان من دمشق إلى جهة الديار المصرية‏.‏

ثم خرج السلطان من دمشق في يوم السبت سابع شهر ربيع الآخر يريد الديار المصرية ومعه الأمراء المقبوض عليهم وفيهم‏:‏ الأمير سودون الحمزاوي وقد أحضر من سجن صفد والأمير آقبردي رأس نوبة أحد أمراء الطبلخانات وسودون الشمسي أمير عشرة وسودون البجاسي أمير عشرة‏.‏

وسار السلطان إلى مصر وجعل بكتمر جلق نائب الغيبة بدمشق حتى يحضر إليها نائبها الأمير نوروز‏.‏

بكتمر جلق المذكور قد خلع عليه السلطان باستقراره في نيابة طرابلس قبل تاريخه‏.‏

وأصبح شيخ لما بلغه خروج السلطان من دمشق فطرق دمشق ومعه يشبك وجركس وأخذها من بكتمر وملكها بعد أن فر بكتمر منها‏.‏

وقبض شيخ على جماعة من أمراء دمشق وولى وعزل وأخذ خيول الناس وصادر جماعة‏.‏

ثم ورد الخبر على يشبك وشيخ بنزول بكتمر جلق على بعلبك بأناس قليلة فخرج إليه يشبك الشعباني وجركس في عسكر ومضى بكتمر جلق إلى حمص‏.‏

وسار يشبك وجركس حتى وصلا إلى بعلبك فوافاهما الأمير نوروز بعساكره على كروم بعلبك فبرز إليه يشبك وجركس بمن معهما فقاتلهم نوروز حتى هزمهم وقتل الأتابك يشبك الشعباني وجركس القاسمي المصارع في ليلة الجمعة ثالث عشر شهر ربيع المذكور وقتل جماعة أخر وقبض نوروز على جماعة وفر من بقي‏.‏

فلما بلغ ذلك شيخًا خرج من وقته من دمشق على طريق جرود‏.‏

ودخل الأمير نوروز في يوم رابع عشره إلى دمشق وملكها من غير قتال وبعث نوروز بهذا الخبر إلى السلطان فوافاه المخبر بذلك على العريش فسر السلطان بذلك سرورًا كبيرًا وهان عليه أمر شيخ بعد ذلك‏.‏

ثم سار السلطان الملك الناصر مجدًا حتى دخل إلى الديار المصرية ضحى نهار الثلاثاء رابع عشرين شهر ربيع الآخر وبين يديه ثمانية عشر أميرًا في الحديد ورمة الأمير إينال باي بن قجماس وقد حملها الملك الناصر من غزة لأنه كان خصيصًا عند الملك الناصر وقتل بغرة في واقعة شيخ بغير اختيار السلطان‏.‏

وطلع السلطان إلى قلعة الجبل وحبس الأمراء المذكورين بالبرج من قلعة الجبل إلى أن كان يوم سادس عشرينه فاستدعى السلطان القضاة إلى بين يديه وأثبت عندهم إراقة دم الأمير سودون الحمزاوي لقتله إنسانًا ظلمًا فحكموا بقتله فقتل وقتل معه تمربغا دواداره والأمير آقبردي وجمق وأسنباي التركماني وأسنباي أمير آخور‏.‏

وتأخر الأمير إينال المنقار وسودون الشمسي وجقمق العلائي وجماعة أخر وسودون البجاسي في البرج من قلعة الجبل‏.‏

ثم في يوم سابع عشرين شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الوالد بإقطاع الأتابك يشبك الشعباني وأنعم بإقطاع الوالد على الأمير قردم الحسني الخازندار‏.‏

وأنعم على الأمير قراجا بإقطاع تمراز الناصري المقبوض عليه في غيبة السلطان بالقاهرة واستقر قراجا المذكور شاد الشراب خاناه وأنعم بإقطاع قراجا على الأمير أرغون من بشبغا وأنعم بإقطاع أرغون المذكور على الأمير شاهين قصقا وأنعم بإقطاع شاهين على الأمير طوغان الحسني‏.‏